مسرحية الدول

مشهد يُعاد ودول تلعب نفس الدور

مقالات

م. يوسف مجبل الصواغ

6/18/20251 دقيقة قراءة

من يراقب حركة التاريخ السياسي الحديث، سيشعر وكأن العالم خشبة مسرح كبيرة، تتكرر عليها الأدوار، وتُعاد فيها المشاهد نفسها بتفاصيل مملة أحيانًا، ومأساوية كثيرًا. المشهد لا يتغير سوى في الزمان والمكان، بينما الممثلون – أي الدول – غالبًا ما يؤدون نفس الشخصيات، وكأنهم ملتزمون بنص قديم محفوظ، لا يملكون فيه حرية التغيير أو الخروج عن الدور.

فصل أول: بداية الأزمة

دائمًا تبدأ المسرحية بأزمة ما؛ قد تكون احتجاجات داخلية، أزمة اقتصادية، خلاف حدودي، أو نزاع طائفي. لكن الملفت أن هذه الأزمات كثيرًا ما تظهر فجأة، وبشكل متزامن مع مصالح قوى كبرى. تُسلَّط الأضواء، تُحشد الكاميرات، وتبدأ التصريحات الدولية التي تُحذر، وتدين، ثم تُمهّد لتدخلٍ وشيك.

في هذا الفصل، نرى بعض الدول وقد وُضعت تلقائيًا في دور "المتهم" أو "العدو"، بينما يظهر طرف آخر في دور "المظلوم" أو "المدني البريء" الذي يحتاج إلى "الإنقاذ". ويبدأ الإعلام العالمي بتأطير الحكاية وتوجيه عقول الجمهور، ليصدقوا السيناريو كما كُتب، لا كما حدث فعلاً.

فصل ثان: التدخلات الدولية

وهنا تصعد الدول الكبرى إلى المسرح بكامل أدواتها: تصريحات رسمية، قرارات منظمات، عقوبات اقتصادية، زيارات دبلوماسية مفاجئة، وربما تحركات عسكرية علنية أو سرية. في هذا الفصل، تلعب الدول الكبرى دور "الوصي الأخلاقي"، وتظهر بمظهر المدافع عن القيم، رغم أنها غالبًا ما تكون تلاحق مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية.

وتُستخدم دول أخرى كبيادق على رقعة الشطرنج: بعضها يؤدي دور الحليف الطيّع الذي يفتح أجواءه وحدوده، وبعضها يُستخدم كميدان للصراع، لتدفع الثمن شعبًا وبنيةً وتاريخًا.

فصل ثالث: الانهيار أو التقسيم

تتقدم المسرحية إلى ذروتها المأساوية: حرب داخلية، أو تقسيم، أو انهيار اقتصادي، أو سيطرة كاملة على القرار السيادي للدولة المستهدفة. ومع كل هذه الكوارث، يُعاد رسم الخريطة الجيوسياسية بطريقة تناسب مصالح الأقوياء. تُنشأ قواعد عسكرية، تُوقّع اتفاقيات مشبوهة، وتُفرض أنظمة حكم تحت مسمى "الشرعية" أو "الانتقال الديمقراطي".

في هذا الفصل، الشعوب وحدها تدفع الثمن، بينما تخرج بعض الدول وقد أدّت دورها المعتاد: بعضها تخلى عن مبادئه مقابل وعود واهية، وبعضها تم استنزافه، وآخرون اكتفوا بالمراقبة بصمت.

فصل أخير: الصمت والتهيئة للمشهد القادم

بمجرد أن يتحقق المطلوب، تسدل الستائر، ويعود الجميع إلى مقاعدهم، استعدادًا لمشهد جديد في مكان جديد. يتم نسيان الضحايا، تُطوى ملفات الانتهاكات، وتبدأ مرحلة "التطبيع" مع الواقع الجديد.

والمثير للسخرية أن الدول التي كانت في دور الضحية قد تتحول فجأة إلى خصم في مسرحية لاحقة، والعكس صحيح. لا توجد ثوابت، بل أدوار تُوزع حسب المصلحة.

---

الخاتمة: من يكتب النص؟

السؤال المحوري الذي يبقى بلا إجابة هو: من يكتب هذه المسرحية؟ ومن يوزع الأدوار؟

الجواب ببساطة: من يملك المال والقوة والسلاح والإعلام. وما لم تُغير الشعوب موقعها من مجرد جمهور أو ضحية إلى فاعلٍ قادر على كتابة نصه واختيار دوره، فإن العرض سيستمر، والمأساة ستتكرر.

لقد آن الأوان أن تتحرر الشعوب من هذه الحبكة البائسة، وأن ترفض أداء أدوار لم تختَرها. فلا كرامة في مسرح تُملى أدواره من الخارج، ولا مستقبل يُبنى على سيناريوهات مستنسخة من الماضي.