مستقبل الطاقة في الكويت: ما بعد النفط؟ استراتيجيات طموحة لتنويع المصادر وتحقيق الاستدامة
الكويت تستعد لثورة طاقة! تقرير يكشف تفاصيل مشروع الشقايا للطاقة المتجددة (4800 ميغاواط بحلول 2028)، وشراكة استراتيجية مع الصين لمواجهة أزمة الكهرباء.
محلياتتكنولوجيا


تُعرف دولة الكويت عالمياً بأنها لاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمي، بفضل احتياطاتها النفطية الضخمة التي شكلت على مدى عقود العمود الفقري لاقتصادها.
ومع ذلك، وفي ظل التغيرات المتسارعة في مشهد الطاقة العالمي، من تقلبات الأسعار إلى التزام الدول بالتخفيف من آثار التغير المناخي، تدرك الكويت تماماً ضرورة الانتقال إلى مرحلة "ما بعد النفط". إنها مرحلة تتطلب رؤية استراتيجية واضحة لتنويع مصادر الطاقة، والتوجه نحو الطاقة المتجددة، وبناء اقتصاد أكثر استدامة ومرونة للأجيال القادمة.
تحديات بيئية واقتصادية تدفع نحو التغيير
تفرض التحديات البيئية، وعلى رأسها ظاهرة الاحتباس الحراري، ضغوطاً متزايدة على الدول المعتمدة على الوقود الأحفوري لتبني سياسات طاقة أكثر صداقة للبيئة. الكويت ليست بمنأى عن هذه الضغوط، فالتزامها بالاتفاقيات الدولية للمناخ، إضافة إلى وعيها بضرورة الحفاظ على بيئتها المحلية، يدفعها بقوة نحو البحث عن بدائل للطاقة.
على الصعيد الاقتصادي، فإن الاعتماد شبه الكلي على النفط كمصدر رئيسي للدخل يجعل الاقتصاد الكويتي عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية، مما يؤثر على الميزانية العامة للدولة ومشاريع التنمية. لذلك، أصبح تنويع مصادر الدخل، والطاقة جزءاً أساسياً من هذه الاستراتيجية، أمراً حتمياً لضمان الاستقرار والازدهار الاقتصادي على المدى الطويل.
مشاريع رائدة في الطاقة المتجددة: الشقايا في صدارة الأجندة
تضع الكويت أهدافاً طموحة لزيادة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الكلي. في هذا السياق، يبرز مشروع الشقايا للطاقات المتجددة كأحد الركائز الأساسية لهذه الاستراتيجية. هذا المشروع الطموح، الذي يهدف إلى إنتاج كميات كبيرة من الكهرباء من مصادر شمسية ورياح، لا يمثل فقط خطوة نحو تحقيق أهداف الكويت من الطاقة النظيفة، بل يُعد أيضاً مركزاً للبحث والتطوير في هذا المجال الحيوي.
وبحسب تصريح معالي وزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، صبيح المخيزيم، فإن الكويت تعتزم بدء تنفيذ مشروع الشقايا لإنتاج الطاقة الكهربائية خلال العام الحالي. هذا المشروع الضخم يستهدف طاقة إجمالية تصل إلى 4800 ميغاواط، وهو ما يعادل نحو 26 إلى 27% من إجمالي إنتاج الكهرباء في البلاد، معرباً عن أمله في أن يدخل المشروع حيّز الخدمة بحلول عام 2028.
شراكات دولية لمواجهة أزمة الكهرباء
وأوضح الوزير المخيزيم أن المشروع سيتم تنفيذه على مراحل، بعضها من خلال هيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وأخرى بالتعاون مع الحكومة الصينية. وقد وقعت الكويت مع الصين في مارس الماضي (2025) اتفاقية لتنفيذ مشاريع للطاقة المتجددة بطاقة إنتاجية تُقدّر بحوالي 3500 ميغاواط، مما يؤكد على أهمية التعاون الدولي في تحقيق هذه الأهداف الطموحة. ويُذكر أن وفداً صينياً وصل إلى الكويت مؤخراً لزيارة موقع المشروع، مما يدل على جدية الخطوات المتخذة. ورغم أن الكلفة المالية للمشروع لا تزال قيد الدراسة، إلا أن الالتزام بتنفيذه يعكس إرادة سياسية قوية.
إن هذه الخطوات تأتي في وقت حرج، حيث تواجه الكويت، العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، أزمة حادة في إنتاج الكهرباء. هذه الأزمة ناجمة عن تزايد عدد السكان، والتوسع العمراني السريع، والارتفاع المطرد في درجات الحرارة، بالإضافة إلى تأخر صيانة بعض محطات التوليد. وقد اضطرت الحكومة بالفعل، منذ العام الماضي، إلى اللجوء لقطع التيار الكهربائي عن بعض المناطق لتخفيف الأحمال، مما يضفي على مشاريع الطاقة المتجددة طابع الضرورة الملحة لضمان استقرار الإمدادات وتلبية الطلب المتزايد.
الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا
لتحقيق أهدافها في مستقبل الطاقة، تستثمر الكويت في البحث والتطوير والابتكار. يتم التركيز على جلب أحدث التقنيات في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتطوير حلول تخزين الطاقة، وتحسين كفاءة استخدام الموارد. كما تسعى الكويت إلى بناء شراكات استراتيجية مع دول وشركات عالمية رائدة في هذا القطاع، للاستفادة من خبراتها وتجاربها، ونقل المعرفة والتقنيات الحديثة إلى الكوادر الوطنية. هذا الاستثمار في التكنولوجيا يضمن أن تكون الكويت في طليعة الدول التي تتبنى حلول الطاقة المستدامة.
الطريق إلى الاستدامة: تحديات وفرص
بالرغم من الإنجازات والطموحات، يواجه قطاع الطاقة المتجددة في الكويت تحديات مثل التكاليف الأولية المرتفعة للمشاريع، الحاجة إلى كوادر فنية متخصصة، وأهمية وضع أطر تشريعية وتنظيمية محفزة للاستثمار في هذا القطاع. ومع ذلك، فإن هذه التحديات تُقابل بفرص هائلة لتنويع الاقتصاد، خلق فرص عمل جديدة، وتعزيز مكانة الكويت كمركز إقليمي للطاقة النظيفة.
إن رؤية الكويت لمستقبل الطاقة تتجاوز مجرد إنتاج الكهرباء؛ إنها رؤية شاملة تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع، قائم على المعرفة والابتكار، وقادر على التكيف مع المتغيرات العالمية، بما يضمن الرخاء والازدهار لأجيالها القادمة في مرحلة "ما بعد النفط".
رؤية متكاملة لمستقبل مزدهر
إن رؤية الكويت لمستقبل الطاقة تتجاوز مجرد إنتاج الكهرباء؛ إنها رؤية شاملة تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع، قائم على المعرفة والابتكار، وقادر على التكيف مع المتغيرات العالمية، بما يضمن الرخاء والازدهار لأجيالها القادمة في مرحلة "ما بعد النفط". هذه الاستراتيجية الطموحة، المدعومة بخطط تنفيذية واضحة وشراكات دولية، تؤكد تصميم الكويت على تحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية، وترسيخ مكانتها كنموذج رائد في الانتقال نحو مستقبل طاقة نظيف ومستقر.