غزة شمشون الجبار

إنني اتساءل هل شعب غزة هو شعب عربي عادي أو حتى من البشر أشك في ذلك إنه شعب مختلف كليا عما ألفناه من شعوب أخرى فهو شعب من كائنات يصعب تعريفها لكنها في شكل بشر ظاهريا إنما حقيقيا ليست بشرا مثلنا ومبرر هذا الاعتقاد هو ماحققه هذا الشعب الغزي من هزيمة المعجزات والمستحيلات هذا الشعب وكأنه من كوكب آخر هبط على الأرض ليعلم البشر معاني الصمود والتحدي والإرادة والتضحية والكرامة شعب علم البشر كيف يتفاءل ويصنع حياته شعب حقق الأمل والبعث الجديد لأمجاد الأمة العربية والإسلامية شعب أيقظ العالم كله من سبات نومه وتجاهله لأرض مغتصبة اسمها فلسطين ولشعب كان يسكنها منذ الاف السنين شعب غلف الكرة الأرضية بوجوده وحقوقه المسلوبة شعب جعل العلم الفلسطيني يحلق عاليا في فضاء وسماء العالم ويلوح به أطفال العالم ويرتديه الصغار والكبار بكل فخر واقتدار شعب غزة شعب ملائكي لا يرى بالعين المجردة وإنما بالقلوب المؤمنة بالغيبيات كما أشار القرآن فهو مدد إلهي من الملائكة لنصرة الحق والعدل وإرجاعه لأهله وأرضه في فلسطين شعب أعاد فلسطين لما قبل سبعين عاما ونيف إلى أذهان ووجدان العالم بعد أن كاد يقضي عليه الإهمال والنسيان شعب جعل الشمس تشرق من جديد بعهد جديد لأجيال عربية وعالمية تكشف الظلمة وتزيل الغمة عن وطن سلبه أناس جاءوا مطرودين مكروهين منبوذين مذلولين من كل أصقاع العالم في غفلة من الزمن شعب غزة ظهر كطائر الفينق من تحت الرماد شعب غزة هو شعب الأساطير والخرافات والميثولوجيات والمعتقدات عند العرب كطائر العنقاء والغول والأشباح فهو أشبه بالمدينة الفاضلة أو الكوميديا الإلهية لدانتي الإيطالي أو هو كما جاء في كتاب الأمير ل فولتير أو هو كما فضح وليم شكسبير أساليب اليهود في مسرحيته تاجر البندقية شعب غزة جسد موروثات العالم ومخزونه الفكري والحضاري شعب رغم حصاره في رقعة أرض صغيرة من بقية وطنه الكبير فلسطين استطاع أن يذهل العالم ويؤدي له التحية والإجلال ويرفع شارة النصر له ويندهش لقوة هذا الشعب الذي استحضر تاريخ أمجاد الامة العربية والإسلامية في أوج عظمتها شعب غزة شعب يستحق الحياة ويستحق تعريف معنى الشجاعة والبطولة والتضحية والمجد شعب خلق من العدم وجود ومن التباعد تقارب ومن التضاد تلاقي ومن التفرق تجمع ومن الموت حياة ومن اليأس تفاؤل ومن المستحيل ممكن شعب ليس كشعوب الأرض وليس كمثله شيء ولا يضاهيه أو يباريه شعب آخر في كنهته شعب يحتاج العالم لسنوات ليفهمه ويستوعبه شعب يصمد لعامين كاملين أمام الموت والدمار والخراب والتشرد والتجويع والتعطيش والبطش والإرهاب من عدو شرس لا يعرف الرحمة والشفقة ولا يعترف بالإنسانية شعب يواجه الموت بابتسامة واستبشار ويتوق لنيل الشهادة لتكتب له الحياة شعب يحرص على الاستبسال ليحقق المجد والخلود شعب يسعى باحثا عن جنات النعيم بعد ان يلقي بعدوه في نار الجحيم هذه غزة الصغيرة في مساحتها غيرت مجرى العالم الكبير هذه البقعة الصغيرة التي بالكاد وبصعوبة نراها على خارطة العالم غيرت كل خرائطه الفكرية والسياسية والحغرافية والتاريخية وفرضت عالما جديدا بفكر جديد ونظرة جديدة للإنسان الفلسطيني والعربي والمسلم هذه البقعة المتناهية في الصغر انبثقت منها القيم والقامات الكبيرة الارض الضيقة في مساحتها الواسعة بشعبها انطلقت منها مشاعل الحرية والكرامة والأصالة هذه غزة الصغيرة بحجمها الكبيرة بأفعالها وحدت العرب والمسلمين لمواجهة العدو وأطماعه فيهم بل ولفتت أنظار العالم إلى خبث ودهاء العدو الصهيوني الذي يسعى في الأرض فسادا ودمارا وتخريبا هذه غزة بصمودها الفريد رسخت لولادة أمة عربية وإسلامية جديدة تحيي أمجادها القديمة.