متلازمة الأشخاص المشغولين

في عالم يُقدِّس السرعة والإنجاز، تتفشى «متلازمة الأشخاص المشغولين» كظاهرة تنخر في جودة الحياة.

مقالات

عبدالله حمود الغريب

9/6/20251 دقيقة قراءة

في عالم يُقدِّس السرعة والإنجاز، تتفشى «متلازمة الأشخاص المشغولين» كظاهرة تنخر في جودة الحياة. لم يعد الانشغال مجرّد حالة مؤقتة، بل تحوّل إلى هوية يُفتخَر بها: جمل مثل «أنا غارق في العمل» أصبحت شارات اجتماعية ترمز للأهمية، بينما يتحول الفراغ إلى مصدر للقلق والذنب. الضحايا يعانون إرهاقاً مزمناً، رغم ضبابية الإنجاز الحقيقي، ويغرقون في تعدُّد المهام الفاشل الذي يشتت التركيز ويرفع معدلات الخطأ، بينما تنهار علاقاتهم بسبب غياب التواجد الذهني والحسي مع الأحباء. تتعدد جذور هذه الآفة، فثقافة ربط القيمة الذاتية بالإنتاجية اللانهائية تخلق إحساساً بالدونية عند التوقف، بينما تُغذّي التكنولوجيا الداء عبر قصف مستمر للإشعارات وهموم العمل التي تلاحقنا حتى في غرف النوم. الأعمق من ذلك هو هروب جمعي من مواجهة الذات أو الفراغ الوجودي، حيث يصبح الانشغال درعاً واقية من الأسئلة المصيرية. دراسة عالمية أظهرت أن 60 بالمئة من الموظفين يشعرون بأن انشغالهم «زائف» لا يعكس أولويات حقيقية، وفقاً لمعهد الإجهاد الأميركي. المواجهة تبدأ بإعادة تعريف النجاح: فصل الهوية عن الإنتاجية، واعتبار الراحة استثماراً لا ترفاً. الحلول العملية تشمل «الحجْر الصحي الرقمي» بساعات يومية بعيداً عن الشاشات، وتدريب النفس على قول «لا» للحفاظ على الطاقة، وتطبيق تقنيات اليقظة الذهنية لاستعادة اللحظة الحالية. كما يجب تخصيص وقت مُقدّس للفراغ الإبداعي غير الموجّه، والتفاوض على حدود العمل مع أرباب العمل. الخلاصة الجوهرية: الانشغال الدائم ليس وساماً، بل إنذار أحمر لاستعادة الحياة من براثن السرعة الوهمية.

* أستاذ أكاديمي غير متفرغ بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب.