من رمال الشعيبة إلى حقول الوفرة: سيرة محمد فالح الزقاح العازمي، شاهد على تاريخ الكويت الزراعي والاجتماعي
يرحم الله الراحل محمد فالح مطلق الزقاح العازمي، الذي ترك لنا كنزًا من الذكريات، وحكاية وطن نُقشت تفاصيلها في ذاكرة رجلٍ عاش كل تحولاتها.
مقالات


يرحم الله الراحل محمد فالح مطلق الزقاح العازمي، الذي ترك لنا كنزًا من الذكريات، وحكاية وطن نُقشت تفاصيلها في ذاكرة رجلٍ عاش كل تحولاتها.
كانت حياة الراحل محمد فالح الزقاح، رحمه الله، بمثابة سجل حافل يُجسّد تاريخ الكويت الاجتماعي والاقتصادي في مرحلة ما قبل النفط. من رمال الشعيبة إلى حقول الوفرة، نسج الزقاح، بكلماته العفوية، سيرة رجلٍ كافح وعمل، وشاهد على تحولات وطن.
الشعيبة: حكايات من زمن الطين والبحر
يأخذنا الراحل محمد الزقاح في رحلة إلى مسقط رأسه، قرية الشعيبة الساحلية، التي وُلد فيها عام 1920. كانت قرية صغيرة، بشوارعها الرملية وبيوتها القليلة المبنية من الطين. يصفها بأنها كانت قريبة من ساحل البحر، وهو ما جعل من صيد السمك بالشباك المصنوعة من خيوط القطن حرفة أساسية لأهلها.
كانت الزراعة هي الشغف الأول، حيث بدأ الزقاح حياته في العمل مع والده في مزارع الشعيبة والعرفجية. ويتذكر كيف انتقلت العائلة عام 1946 إلى منطقة "حبيب" بالقرب من الصبية لزراعة البطيخ. كانت رحلة نقل المحاصيل آنذاك تتطلب صبرًا وجهدًا، فكانت تُنقل إما على ظهر سفينة "شوعي" أو على ظهور الإبل (البعارين)، قبل أن تظهر السيارات "اللوري" لاحقًا.
جولة في الأراضي الخصبة: بصمات في "قلب طير" و"الصبيحية"
كانت حياة محمد فالح الزقاح، رحمه الله، بمثابة سجل حافل يُجسّد تاريخ الكويت الاجتماعي والاقتصادي في مرحلة ما قبل النفط. من رمال الشعيبة إلى حقول الوفرة، نسج الزقاح، بكلماته العفوية، سيرة رجلٍ كافح وعمل، وشاهد على تحولات وطن.
ينتقل الزقاح بذاكرته إلى الأراضي الزراعية المختلفة التي عرفها، ويُسلّط الضوء على منطقة "قلب طير". ويُخلّد ذكرى "جليب جعيدان" الذي حفر بئره جعيدان بن طبيجي العازمي، لتبقى المنطقة تحمل اسمه. ويُؤكّد أن المياه كانت موجودة في مناطق عدة، تبدأ من الشعيبة وتصل إلى الضبعة وأم الهيمان وأم القصبة والعوشجية، ومن ثم الحمامة وقلب طير.
ويُفرد حديثًا خاصًا لقرية الصبيحية، التي بدأت الزراعة فيها عام 1936، حيث كانت قبيلة العوازم هم أول من حولوها إلى مزارع وزرعوا فيها أشجار الأثل. كانت أرض الصبيحية جيدة للزراعة، خاصة للبطيخ.
من رعي الأغنام إلى الدفاع عن الكويت: رحلة مهنية حافلة
لم تقتصر حياة الزقاح على الزراعة؛ فقد خاض غمار العمل المدني والعسكري. عمل في البلدية بَناءً للمنازل للعائلات المحتاجة. وكان راتبه اليومي آنذاك روبيتان، وكان يعمل من الصباح إلى المساء. كما عمل في نقل المياه على ظهر حمار من "سد السالمية".
وفي عام 1955، انضم الزقاح إلى الجيش الكويتي، بعدما شجعه والده على ذلك. وبعد قبوله، تم توزيعه على مخفر الفحيحيل، وكان راتبه الشهري 450 روبية. ويفتخر الزقاح بمشاركته في الدفاع عن الكويت ضد تهديدات عبدالكريم قاسم.
التقاعد: عودة إلى الجذور الزراعية
بعد مسيرة عمل طويلة، تقاعد الزقاح في عام 1977. لم تكن نهاية المطاف بالنسبة له، بل كانت بداية لمرحلة جديدة، عاد فيها إلى عشقه الأول: الزراعة. حصل على مزرعة في الوفرة، حيث زرع الطماط والخيار والرقي، وأصبح يمتلك فيها أغنامًا ومنزلًا للعائلة.
ذكريات وشخصيات لا تُنسى
تتخلل حكايات الزقاح ذكريات غالية عن شخصيات تركت بصمات في حياته. يذكر الحاج محمد ناصر الحمدان، الذي وصفه بأنه أول كويتي يفتح مكتبًا لتعليم قيادة السيارات في الفحيحيل. كما يتذكر بعض نوخذة الغوص الذين عمل معهم والده، مثل حمود القريش والذويخ.
وفي ختام حديثه، يُعبّر الزقاح، رحمه الله، عن امتنانه وفخره بالحياة الكريمة التي يعيشها، مقارنًا إياها بظروف الماضي الصعبة. ويُذكّرنا أن الحياة اليوم اختلفت عن الأمس، بفضل نعمة السيارة والهاتف النقال والوظيفة، لكن قيم الماضي الأصيل ستبقى خالدة في نفوس الأجيال.










