ذكرى الغزو العراقي الغاشم للكويت: ملحمة صمود وتضامن أبدي

في كل عام، ومع إشراقة فجر الثاني من أغسطس، تهفو قلوبنا بفيضٍ من الشكر والعرفان، ونستلهم من عمق التاريخ دروساً لا تُمحى. اليوم، نحيي الذكرى الخامسة والثلاثين للغزو العراقي الغاشم على كويتنا الحبيبة؛ ليست مجرد مناسبة لتجديد الأحزان، بل هي ملحمة وطنية عظمى، قصةُ صمودٍ أسطوري سُطّرت بمداد من نور، وشهادةٌ حيّة على تلاحم شعب أبيّ، ورمزٌ لتضامنٍ عربي ودوليٍّ فاق كل التوقعات.

أخر الأخبارمقالات

محمد مطلق الصواغ

8/2/20251 دقيقة قراءة

في كل عام، ومع إشراقة فجر الثاني من أغسطس، تهفو قلوبنا بفيضٍ من الشكر والعرفان، ونستلهم من عمق التاريخ دروساً لا تُمحى. اليوم، نحيي الذكرى الخامسة والثلاثين للغزو العراقي الغاشم على كويتنا الحبيبة؛ ليست مجرد مناسبة لتجديد الأحزان، بل هي ملحمة وطنية عظمى، قصةُ صمودٍ أسطوري سُطّرت بمداد من نور، وشهادةٌ حيّة على تلاحم شعب أبيّ، ورمزٌ لتضامنٍ عربي ودوليٍّ فاق كل التوقعات.

في ذلك الفجر المباغت من عام 1990، تعرضت الكويت، واحة السلام والعطاء، لعدوانٍ غادرٍ أراد أن يطمس هويتها ويسلب كرامتها. تحوّل نهارها إلى ليلٍ بهيم، وسُفكت دماءٌ زكية على أرضها الطاهرة. لكنّ إيمان شعبها بعدالة قضيته، وتمسكه الأبدي بأرضه وقيادته الشرعية، كانا شرارةً أضاءت العتمة وأشعلت جمرة المقاومة والصمود. لقد أثبت الكويتيون، نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً، أن حب الوطن يسري في عروقهم كالدماء، وأن الدفاع عن السيادة والكرامة هو واجبٌ مقدسٌ لا يُعلى عليه، صمدوا واستبسلوا، فكانوا شُعلةً أضاءت طريق التحرير.

تضامنٌ عربي ودوليٌّ يُسجل بمدادٍ من ذهب

لم تكن الكويت وحدها في مواجهة ذاك العدوان الغاشم. فما أن انتشر الخبر حتى هبّت الأمة العربية والعالم أجمع كالبنيان المرصوص لنصرة الحق. كيف لنا أن ننسى الدور التاريخي المشرّف الذي قامت به المملكة العربية السعودية الشقيقة؟ بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود -طيب الله ثراه-، فتحت المملكة أراضيها وقلوبها لأشقائهم الكويتيين، فكانت السند والعون، والعمق الاستراتيجي الذي لا يُقدّر بثمن. لقد استضافت المملكة الآلاف من أبناء الكويت، وقدمت كل الدعم اللوجستي والعسكري، لتثبت بذلك عمق الروابط الأخوية المتجذرة التي لا تُفرّقها الشدائد.

ووقفت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وقفة رجلٍ واحد، مؤكدةً تماسك البيت الخليجي ووحدته الراسخة. كانت مواقفهم حاسمةً وداعمةً، مجسدةً أسمى معاني التضامن بين الأشقاء في أوقات المحن.

ولم تكن مصر الشقيقة بعيدةً عن هذا المشهد التاريخي المشرف. فبقيادة الرئيس محمد حسني مبارك -رحمه الله-، لعبت القاهرة دوراً محورياً في حشد الدعم العربي والدولي، وكانت من أوائل الدول التي أعلنت رفضها القاطع للغزو، وشاركت بقواتها الباسلة ضمن قوات التحالف الدولي، إيماناً منها بمبادئ الحق والعدل، وضرورة الحفاظ على وحدة الصف العربي وسلامة أراضيه.

على الصعيد الدولي، شهد العالم أجمع تضامناً غير مسبوق، في سابقةٍ ربما لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً لها. لقد تحرك المجتمع الدولي بفعالية وسرعة، وتم إصدار قرارات حاسمة من مجلس الأمن الدولي، أدانت الغزو بوضوح وطالبت بالانسحاب الفوري وغير المشروط. لقد كانت تلك هي المرة الأولى التي تتفق فيها القوى العظمى على هذا النحو لإعلاء مبادئ القانون الدولي وحماية سيادة الدول الضعيفة. هذا التكاتف الدولي الفريد أثمر عن تشكيل تحالف عسكري ضخم، قام بتحرير الكويت في عملية عسكرية مذهلة عُرفت باسم "عاصفة الصحراء"، أعادت الحقوق لأصحابها، وأنهت فصلاً مظلماً من الظلم والطغيان في تاريخ المنطقة.

دروسٌ خالدة لمستقبل الأجيال

إن ذكرى الغزو العراقي الغاشم ليست مجرد يوم لتجديد الأحزان أو استذكار الآلام، بل هي منارةٌ تضيء لنا دروب المستقبل، ومناسبةٌ لنتعلم منها دروساً خالدة: درسٌ في الصمود والثبات في وجه التحديات، ودرسٌ في قوة الوحدة الوطنية التي لا تُقهر، ودرسٌ في الأهمية القصوى للتضامن العربي والدولي لمواجهة أعتى الظلم والتحديات. إنها ذكرى تدعونا إلى تعزيز تلاحمنا، والعمل يداً بيد لبناء مستقبلٍ أكثر إشراقاً وأمناً وازدهاراً لأجيالنا القادمة، مستقبلٍ يقوم على العدل والسلام والتعاون والاحترام المتبادل بين الأمم.

رحم الله شهداء الكويت الأبرار الذين رووا بدمائهم تراب هذا الوطن الطاهر، وأدام الله على الكويت نعمة الأمن والأمان والرخاء، تحت ظل قيادتها الحكيمة الرشيدة.