تهويل برّاك يعيد «سلاح حزب الله» إلى الواجهة... ولبنان بين ضغوط واشنطن وشكوك دمشق
الجدل حول «بلاد الشام» ينعش الخطاب الدفاعي للمقاومة ويكشف عمق الانقسامات حول السلاح والسيادة
عربية وعالمية


أثار تصريح المبعوث الأميركي توم برّاك، الذي حذر فيه من «خطر وجودي على لبنان» قد يُفضي لعودته إلى ما وصفه بـ«بلاد الشام»، عاصفة سياسية وإعلامية في بيروت، رغم مسارعته لتصحيح موقفه لاحقًا. فالتحذير الأميركي، وإن نُفي رسمياً، فتح الباب واسعًا أمام إعادة إنتاج الخطاب الدفاعي لـ«حزب الله»، ودفع خصوم الحزب إلى تجديد المطالبة بنزع سلاحه، تحت عنوان الحفاظ على سيادة الدولة.
ورغم تراجع برّاك عن تصريحه الذي نُشر في صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية، وتأكيده أنه لم يكن تهديدًا بل «إشارة إلى فرص التعايش والازدهار»، إلا أن التوقيت الحساس للتصريح، وسط حديث عن تسويات إقليمية كبرى، جعله مادة دسمة لتجاذبات داخلية.
«حزب الله»: السلاح ضرورة لحماية الحدود
مراقبون مقرّبون من الحزب استغلوا كلام برّاك لتأكيد أهمية دور المقاومة، مستحضرين ما وصفوه بـ«الانتصارات» في مواجهة الإرهاب خلال «حرب الجرود» (2014 - 2017) في جرود عرسال والبقاع، حين قاتل «حزب الله» إلى جانب الجيش اللبناني ضد جماعات مسلحة سورية متطرفة.
وبرأي هؤلاء، فإن الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا لا تزال عرضة لاختراقات أمنية، ما يجعل من بقاء سلاح المقاومة ضرورة وطنية. لكن الفريق المقابل، الداعي لحصر السلاح بيد الدولة، رأى في تصريحات برّاك فرصة لحث الحكومة على إنهاء ما يُسمى بـ«الازدواجية العسكرية»، مع التذكير بأن الحزب لا يزال جزءًا من الحكومة.
صمت رسمي... وجدال شعبي
في وقت غابت فيه مواقف رسمية لبنانية مباشرة من التصريحات، ساد الجدل الشعبي، وعبّرت شرائح واسعة من اللبنانيين عن رفضها لما اعتبروه تهويلاً أميركيًا يمس سيادة البلاد، في حين طالب آخرون بموقف حكومي حازم، يرفض أي ضغوط دولية تصب في خانة ترسيخ واقع السلاح الموازي.
علاقات متوترة مع دمشق
من جهة أخرى، تشهد العلاقة بين بيروت ودمشق توترًا متصاعدًا، على خلفية ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، والذين يُقدّر عددهم بنحو ألفي موقوف، بعضهم متهم بقتل جنود لبنانيين والانتماء لتنظيمات إرهابية.
السلطات السورية لوّحت مؤخرًا بإجراءات اقتصادية عقابية ضد لبنان، عبر فرض قيود على حركة الشاحنات العابرة، ما لم تُحسم قضية الموقوفين. وتطالب بيروت باتفاق مع دمشق يسمح بتسليم غير المتورطين بجرائم عسكرية، وسط مخاوف من انفجار هذا الملف في وجه الحكومة اللبنانية.
وفي سياق موازٍ، أعلنت وزارة الداخلية السورية القبض على مسلح يُشتبه بارتباطه بخلية تابعة لـ«حزب الله»، كان يحوز عبوات ناسفة، في مؤشر على تصعيد أمني غير مسبوق في العلاقة المعقدة بين الجانبين.
التهديدات والواقع الحدودي
أشاعت التصريحات الأميركية موجة من الشائعات حول انسحاب الجيش اللبناني من نقاط حدودية، ما دفع قيادة الجيش إلى نفي قاطع لتلك الأخبار، مؤكدة استمرار الانتشار والجهوزية الكاملة في مراقبة الحدود اللبنانية – السورية، تزامنًا مع متابعة الوضع الداخلي منعًا لأي تهديد أمني.
هل تعود «بلاد الشام»؟
رغم أن برّاك نفى أن يكون دعا لإعادة إحياء صيغة «بلاد الشام»، فإن إعادة التداول بهذا المفهوم التاريخي – السياسي في الخطاب الدبلوماسي الأميركي يثير حساسية لبنانية مفرطة تجاه أية صيغة إقليمية قد تهدد استقلال لبنان، الذي شهد تدخلات سورية واسعة منذ نهاية الحرب الأهلية وحتى انسحاب الجيش السوري عام 2005.
وفيما تستبعد جهات غربية أن يكون ما جرى سوى زلة دبلوماسية غير محسوبة، فإن القوى السياسية في لبنان، المنقسمة أصلاً حول ملف السيادة والسلاح والعلاقة مع سورية، وجدت في التصريح وقودًا جديدًا لمعركة خطابية لا تهدأ.