المقابلة الصحفية لسعادة السيد محمد توتونجي سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى دولة الكويت

بشأن العدوان العسكري للكيان الصهيوني ضد إيران 16 يونيو 2025

محليات

البيداء

6/16/20251 دقيقة قراءة

كيف تنظرون إلى الهجمات الأخيرة التي شنها الكيان الصهيوني والتي استهدفت مدنيين وقادة عسكريين كباراً وعلماء ومنشآت إيرانية، بما فيها مراكز مرتبطة بالبرنامج النووي والطاقة؟

في البداية، أود أن أعرب عن بالغ تقديري وامتناني، باسمي وباسم حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، للمواقف الإيجابية التي عبّر عنها المسؤولون المحترمون في حكومة دولة الكويت، ولاسيما جهود صاحب السمو الشيخ مشعل الصباح والإتصالات المكثفة لمعالي السيد عبدالله اليحيا وزير الخارجية وكذلك الشخصيات والإعلاميين والمواطنين في هذا البلد الشقيق والصديق، في إدانتهم للاعتداءات الوحشية والجبانة التي ارتكبها الكيان الصهيوني الغاصب ضد إيران.

كما شهدتم، أقدم الكيان الإسرائيلي، في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة، ولأبسط قواعد وأعراف القانون الدولي، على شن عدوان عسكري غير مشروع و هجوم مسلح ( Armed Attack) ضد إيران يوم الجمعة الماضي. لقد اعتدى هذا الكيان المحتل والمارق على السيادة الوطنية وسلامة الأراضي الإيرانية، مستهدفاً عدة مواقع من بينها مناطق سكنية في طهران وعدد من المدن الأخرى، ما أدى إلى استشهاد عدد من المدنيين، بمن فيهم نساء وأطفال أبرياء، كما اغتال بشكل ممنهج وبطريقة وحشية وجبانة مجموعة من كبار القادة العسكريين والعلماء والأكاديميين الإيرانيين.

ومن بين الأهداف التي استهدفها الكيان الصهيوني أيضاً المنشآت النووية الإيرانية، التي تعمل تحت إشراف ورقابة كاملة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لقد عرّض هذا الهجوم الطائش حياة المدنيين الإيرانيين للخطر، كما أثار القلق إزاء إمكانية وقوع كارثة إشعاعية، ما يُشكّل تهديداً خطيراً للسلم والأمن على المستويين الإقليمي والدولي. إن أي هجوم عسكري متعمد على منشآت نووية خاضعة للرقابة الدولية يُعد انتهاكاً فادحاً للقانون الدولي، ويُضعف بشكل متزايد منظومة عدم الانتشار النووي والنظام العالمي الذي تأسست من أجله الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وما يثير القلق أكثر هو أن الهجمات الصاروخية الإسرائيلية ضد المنشآت النووية الخاضعة لرقابة الوكالة والبنية التحتية المدنية في إيران وقعت في وقت كانت فيه المفاوضات جارية، والمسارات الدبلوماسية كانت ولا تزال مفتوحة. هذه الهجمات لم تُنفذ لمنع كارثة محتملة، بل كانت تهدف بشكل واضح إلى تقويض المسار الدبلوماسي، وزيادة التوتر، واستفزاز إيران.

هل تعتبرون هذه الهجمات خطوة خطيرة في مسار التصعيد قد تدفع بالمنطقة نحو مواجهة شاملة؟

إنّ الهجمات التي شنّها الكيان الصهيوني ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية تُعدّ انتهاكاً صارخاً للفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، وعدواناً سافراً على إيران. والرد على هذا العدوان يُعدّ حقاً قانونياً ومشروعاً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفقاً للمادة ٥١ من الميثاق. و دفاع عن النفس (Self Defense) و ان جر الحرب إلى المنطقة وتوسيع الإشتباك هو خطأ استراتيجي صهيوني، و دفاعنا هو رد على الاعتداء الذي تعرضنا له ( Aggression) وان قرار وقف الحرب هو بيد الدولة المدافعة. وإنّ القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبكامل قدراتها، ستردّ بشكل حازم ومتوازن على هذه الاعتداءات، وسيتواصل هذا الرد بأقصى درجات الحزم والقوة. إنّ العواقب الخطيرة والواسعة النطاق المترتبة على هذا العدوان الصهيوني تقع بالكامل على عاتق هذا الكيان وداعميه، وإيران لا تخشى أيّ مواجهة على الإطلاق.

برأيكم، هل أخفق المجتمع الدولي في إدانة هذه الأعمال التي تُعد انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي؟

إنّ إدانة الجريمة الشنيعة التي ارتكبها الكيان الصهيوني السفّاح قاتل الأطفال، تُعدّ واجباً إنسانياً على عاتق كل دولة ملتزمة في الساحة الدولية. ويُنتظر من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، ولا سيما دول المنطقة والدول الإسلامية التي تحمل همّ السلام والأمن الدوليين، أن تُسارع إلى إدانة هذا العدوان الإجرامي فوراً، وأن تتخذ إجراءات عاجلة وجماعية للتصدي لاستمرار هذه المغامرات الخطيرة التي تُعرّض بلا شكّ السلم والأمن العالميين لتهديد غير مسبوق.

من وجهة نظركم، من المسؤول عن هذه الأزمة (الحرب)؟ وهل تملكون أدلة على تورط أطراف إقليمية أو دولية أخرى في دعم هذه الهجمات؟

الواقع أنّ المسألة لم تكن يوماً تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. فهذا الملف قد جرى تسويته بشفافية من خلال الاتفاق النووي، حيث قُيّدت الأنشطة النووية الإيرانية وخضعت لرقابة دولية مستمرة؛ وهو الاتفاق ذاته الذي سعى الكيان الصهيوني بكل ما أوتي من قوة إلى تقويضه. إنّ الهدف الحقيقي كان ولا يزال يتمثل في تحويل إيران إلى دولة منهارة، من خلال الضغط الاقتصادي، والعمليات التخريبية السرية، والأنشطة الإرهابية، والاغتيالات المخططة، وأخيراً عبر شنّ حرب صريحة.

لقد اندلعت هذه الحرب لأنّ الكيان الصهيوني وداعميه الغربيين يسعون إلى تدمير كل دولة مستقلة في محيطهم، بهدف تنفيذ أيديولوجيتهم المريضة والتوسعية المسماة بـ "الصهيونية". سواءً عبر العدوان العسكري المباشر أو من خلال النفوذ المتواصل في السياسة الأميركية بواسطة جماعات الضغط المستمرة، فإنّ إسرائيل استهدفت ودمّرت بشكل ممنهج الدول التي رأت فيها عقبة أمام هيمنتها الإقليمية: العراق، ليبيا، سوريا، لبنان، وها هي اليوم تستهدف إيران.ومن وجهة نظرنا، فإنّ الاعتداءات العدوانية التي شنّها الكيان الصهيوني ضد إيران لم تكن لتقع دون تنسيق وموافقة من الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي فإنّ الحكومة الأميركية، بوصفها الداعم الرئيسي لهذا الكيان، تتحمّل أيضاً مسؤولية النتائج الخطيرة الناجمة عن هذه المغامرات. وتُعدّ هذه الأفعال المنسّقة بمثابة إعلان حرب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وجزءاً من النمط المستمر للسلوك غير القانوني والمزعزع للاستقرار الذي تنتهجه إسرائيل في المنطقة، والذي يُشكّل تهديداً جديّاً للسلم والأمن الدوليين. إنّ إسرائيل، التي تُعدّ أكثر الأنظمة إرهاباً في العالم، قد تجاوزت اليوم جميع الخطوط الحمراء، ولا ينبغي للمجتمع الدولي أن يسمح باستمرار هذه الجرائم دون محاسبة أو عقاب.

ان التضامن مع ايران واجب اخلاقي قبل ان يكون سياسي لأنها اليوم هي الدولة الوحيدة التي تطالب بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر. أن امريكا تريد حسم هيمنتها على المنطقة بأسرها ولن تقبل بوجود دولة خارج السيطرة تهدد مطامعها. ان الصهاينة لا يميزون بين سنة وشيعة ولا بين عرب وفرس بل هم يعادون أمة الإسلام الناهضة وكل الشعوب المتحررة والمستقلة ولايجوز لإنسان حر وأبي أن يقف إلى جانب إسرائيل.

ما هي الإجراءات التي تنوي إيران اتخاذها للرد أو لردع أي اعتداءات مستقبلية على أراضيها السيادية؟

تُؤكد الجمهورية الإسلامية الإيرانية على حقها الأصيل في الدفاع عن النفس، وفقاً للمادة ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة، وستردّ بشكل حازم ومتناسب على هذه الأفعال غير القانونية والجبانة. وستتحرك الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعزم راسخ لحماية سيادتها وشعبها وأمنها الوطني. إنّ هذا الحق غير قابل للتفاوض. وسيندم الكيان الصهيوني ندماً شديداً على هذا العدوان الطائش والوحشي، وعلى هذا الخطأ الاستراتيجي الفادح في الحسابات الذي ارتكبه.

ما هو تقييم إيران لانعكاسات هذا التصعيد على أمن منطقة الخليج وثباتها العام؟

لم تكن إيران هي من بدأ هذا الصراع. ما حدث يُعدّ انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي، وعملاً عدوانياً نفّذه كيان مارق ويمارس الإبادة، ضد دولة مستقلة، وفي خضمّ المفاوضات، من خلال استهداف متعمّد للبُنى التحتية المدنية. لقد ارتكب الكيان الصهيوني هذه المرة خطأً استراتيجياً جسيماً في الحسابات. لقد اختاروا الدولة الخطأ.

تسعون مليون إيراني، على اختلاف توجّهاتهم السياسية، قد توحّدوا اليوم للوقوف بوجه هذه الحرب الإجرامية وهذا الكيان القاتل للأطفال. والعالم كلّه يُتابع المشهد، ويزداد دعمه للمقاومة وانتصار إيران يوماً بعد يوم.

كونوا على يقين: إيران لن تنهار. ولن تستسلم. وإن كُتب لها، فرضاً، أن تُدفع إلى الزاوية أو تُدحرج نحو الهاوية، فلن تكون وحدها. إنّ الشعب الإيراني، كما سيظلّ يذكر المعتدي، فإنه أيضاً لن ينسى من وقف إلى جانبه من الأصدقاء والداعمين.

هل تنوي إيران، في ظل هذه التطورات، مراجعة استراتيجيتها الإقليمية؟ وهل ما زالت طهران ملتزمة بخيار الحوار والانفتاح مع دول الجوار؟

إنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستواصل بكل قوة دفاعها المشروع عن مصالحها وأراضيها. ونحن، في ردّنا على هذا العدوان، نمارس حقّنا المشروع بكل اقتدار للدفاع عن أنفسنا. ما ننتظره، ومعنا المجتمع الدولي، هو إدانة واضحة وقوية للهجوم على المنشآت النووية، ومحاسبة الكيان الصهيوني على هذا الفعل الإجرامي. ولعلّ هذا هو آخر خط أحمر من خطوط القانون الدولي الذي تجاوزه هذا الكيان، وإذا ما بقي المجتمع الدولي غير مبالٍ، فإنّ عواقب ذلك ستطال بلا شك جميع الدول.

نحن نعتبر الولايات المتحدة شريكة في هذه الهجمات، ويجب عليها أن تتحمّل مسؤوليتها. نحن لم نرغب في هذه الحرب، بل كنّا نتابع المسار الدبلوماسي بشأن برنامجنا النووي، ولكن هذا العدوان فُرض علينا. لسنا بصدد توسيع رقعة الحرب، إلا إذا فُرضت علينا. ولا نرغب في أن تمتدّ هذه الحرب إلى دول أخرى أو إلى المنطقة، ما لم تُفرض علينا.

إنّ عقيدة الجمهورية الإسلامية ترتكز، من جهة، على احترام سيادة الدول، ومن جهة أخرى على تعزيز العقيدة الدفاعية الشاملة، وحماية مصالحها الوطنية بجميع الوسائل المتاحة، وستواصل الالتزام بهذه الرؤية الراسخة. وكلّ من تسوّل له نفسه التعدّي على وحدة الأراضي الإيرانية، سيلقى الردّ الحاسم الذي يردعه.

لقد دأبنا دائماً على احترام وحدة أراضي الدول المجاورة، وعلى وجه الخصوص أمن وسيادة إخواننا وأخواتنا في دول الخليج الفارسي، وسنواصل انتهاج سياسة حسن الجوار وتعزيز العلاقات مع دول هذه المنطقة، ومن بينها دولة الكويت الصديقة والشقيقة.