لماذا لا تستطيع آبل مغادرة الصين رغم الضغوط؟
آبل والصين: شراكة التصنيع التي لا يمكن الفكاك منها
تكنولوجيا


رغم تصاعد الضغوط الجيوسياسية والاقتصادية، لا تزال شركة آبل الأميركية تجد نفسها عاجزة عن فك ارتباطها العميق بالصين، التي تمثل العمود الفقري لسلسلة التوريد الخاصة بها. فمنذ أن بدأت آبل بنقل جزء كبير من عملياتها التصنيعية إلى الصين قبل عقود، تطورت العلاقة إلى ما يشبه التوأمة الصناعية، يصعب معها على عملاق التكنولوجيا الأميركي الفكاك دون تكاليف باهظة ومخاطر استراتيجية.
ويكشف كتاب جديد بعنوان "آبل في الصين" للصحفي باتريك ماكجي كيف تحولت الصين من شريك صناعي إلى تهديد استراتيجي وجودي لآبل. فعلى مدار سنوات، نقلت الشركة آلاف المهندسين من كاليفورنيا إلى الصين لتدريب الكوادر المحلية، مما ساهم في نقل المعرفة التقنية وتعزيز قدرات التصنيع الصينية إلى مستويات غير مسبوقة.
ووفق تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ"، فقد وجدت آبل نفسها لاعباً أساسياً في دعم مبادرة "صُنع في الصين 2025"، عن غير قصد، عبر استثمارات ضخمة ساعدت في تطوير النظام البيئي الصناعي الذي أصبح اليوم لا غنى عنه للشركة. وقد علّق ماكجي قائلاً إن آبل "منحت الصين هدية النار" عبر هذه الشراكة، في إشارة إلى نقل الخبرات والتقنيات الحيوية.
وتمثل هذه العلاقة المتشابكة تحدياً كبيراً في ظل رغبة واشنطن في تقليص الاعتماد على الصين، لا سيما بعد تهديدات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على المنتجات المصنّعة هناك. لكن كما يشير مراقبون، فإن نقل الإنتاج من الصين إلى دول أخرى مثل الهند أو فيتنام ليس أمراً سهلاً، نظراً لافتقار هذه الدول إلى البنية التحتية والكفاءات المتخصصة التي راكمتها الصين خلال عقود.
وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 80% من أجهزة آيفون تُصنّع في الصين، ما يجعل من الأخيرة مركزاً حيوياً لا يمكن تعويضه بسهولة. كما أن الصين تمثل أحد أكبر أسواق آبل، حيث تحقق الشركة نحو 17% من إيراداتها من السوق الصينية وحدها.
الخبير الاقتصادي د. هاشم عقل أوضح أن آبل تواجه مفارقة معقدة: فهي من جهة تحت ضغط سياسي أميركي للانسحاب من الصين، ومن جهة أخرى مهددة بخسائر فادحة إذا أقدمت على خطوة غير محسوبة في هذا الاتجاه. كما أن أي انسحاب قد يعرضها لمنافسة شرسة من شركات صينية مثل هواوي وشاومي، التي باتت تستفيد من الخبرات والبنية التحتية التي أسستها آبل ذاتها.
أما الخبير الاقتصادي علي حمودي، فأشار إلى أن ما يربط آبل بالصين ليس فقط التكلفة، بل الكم الهائل من الكفاءات والخبرات التي لا يمكن إيجاد بديل لها في وقت قصير. ورغم أن آبل توسّع وجودها في الهند وفيتنام، إلا أن قدرات التصنيع في الصين لا تزال تتفوق على باقي الدول، ما يجعل أي تحول استراتيجي بعيد المدى.
وخلاصة القول، إن آبل، رغم ما تعلنه من نوايا لتنويع مواقعها التصنيعية، لا تزال بعيدة كل البعد عن الانفصال التام عن الصين. فالعلاقة التي تأسست بين تيم كوك وتيري غو، مؤسس "فوكسكون"، والتي أسست لواحدة من أنجح سلاسل التوريد في العالم، لا تزال الركيزة الأساسية التي تُبنى عليها إستراتيجية آبل الصناعية.